حنيني إلى البحر جعلني أتخطى حاجز الخوف
أول مدربة لرياضة الغوص في الإمارات نوال إبراهيم![]() |
ارتبط أبناء الإمارات بالبحر منذ عقود طويلة، فكان مصدر رزقهم ووسيلتهم للتنقل، وقد قدس سكان المنطقة البحر وتعلموا فنون الملاحة والسباحة وسط أمواجه، ولا عجب أن نرى أبناء الدولة يتفوقون في الرياضات البحرية ويتقنون فنونها، فبعد أن تسيدت زوارق الإمارات البطولات العالمية وحصد سباحوها الألقاب والذهب..
جاء دور الفتاة الإماراتية التي شقت عباب البحر لتتميز وتتألق في رياضة قل عدد ممارسيها من السيدات نظراً لصعوبتها وأجوائها غير الملائمة للعديد من الإماراتيات ولكن (نوال إبراهيم) استطاعت أن تكسر حاجز المستحيل
وفرضت نفسها في مجال لا يليق بالفتاة كما يقول البعض واقتحمت عالم البحار الذي كان حكراً على الرجال لفترة طويلة لتسجل إنجازاً جديداً لرياضة الإمارات كونها أول فتاة إماراتية تحترف رياضة الغوص رسمياً وتمكنها من نيل رخصة الضفدع البشري لأول مرة..
تعتبر نوال من الفتيات الطموحات اللاتي لا يرين أن الرياضة تقسم بين الجنسين ،فهناك ما يصلح للرجل وما لا يصلح للمرأة، شقت طريقها بكل جرأة وثقة واستطاعت أن تصنع لنفسها مجداً لا يقدر بثمن لتكون أول خليجية تملك رخصة الغوص.
ترى نوال أن الصعاب تسهل المهام وأن الحادثة التي تعرضت لها ثبتت من عزيمتها وإصرارها على كسر حاجز الخوف.. حرص «البيان الرياضي» على استضافتها والحديث معها على أبرز الصعاب التي واجهتها في مشوارها نحو تحقيق هدفها..
كيف كانت الخطوات الأولى نحو احتراف رياضة الغوص؟
تعلقت برياضة السباحة منذ سنوات الطفولة وكنت أتوق لتعلم فنونها وكيفية تطبيق قوانينها وكنت أذهب إلى البحر بصفة دائمة لممارسة رياضة السباحة ومع مرور الأيام تمكنت من الالتحاق بناد متخصص في التدريب على رياضة الغوص.
ولكن ألم تر أن هذه الرياضة غير مألوفة بين الفتيات في الإمارات؟
نعم هي غير مألوفة ولكنها رياضة متأصلة في أعماقنا ومن صميم تراثنا وهويتنا الوطنية، فمن منا لا يحمل ذكريات زمن الغوص والبحر في داخله ونجد أن الشباب الإماراتي حريص على ارتياد البحر وممارسة رياضة السباحة والغوص ولكن الفتاة الإماراتية لا زالت بعيدة عن هذه الأجواء وأنا أسعى إلى إعطاء الدافع لتواجد الإماراتية في عالم الرياضات البحرية.
تصرحين دائماً بأنك تحديت أقسى الظروف لإثبات موهبتك. ماذا عن هذه الظروف؟
بالفعل تعرضت لأقسى الظروف ولكني تغلبت على حاجز الخوف والتردد وأردت أن أكون متميزة في كل شيء، لقد تعرضت لحادثة أفقدتني توازني وأنستني عشقي للبحر، لقد تعودت أن أذهب إلى البحر برفقة والدي رحمه الله
وهو أول من دربني على رياضة الغوص والسباحة وله الفضل الأكبر فيما وصلت إليه اليوم ولكن صدمتي الكبيرة بفقدانه جعلتني أهجر الرياضة التي طالما أحببتها وكانت جزءاً مني لفترة طويلة امتدت إلى أربع سنوات ولكني تجاوزت هذه المحنة وأردت أن أكون كما كان يريد والدي فقد غرس في داخلي حب البحر وكل ما يتعلق به وآمل أن أحقق انجازاً لبلدي بعد كل هذا الجهد من التدريب والمواظبة.
كيف كانت ردة فعل الأهل بعد اتخاذك قرار الاحتراف؟
في البداية لم تكن علامات الرضا باديةً على أحد لا عائلتي ولا صديقاتي، فالكل أصر على أن هذه الرياضة تشكل خطورة على حياتي، فهناك العديد من الغواصين فقدوا حياتهم جراء ممارستهم لها وأيضاً نظرة المجتمع لعبت دوراً رئيسياً في الرفض فأنا الوحيدة في هذا المجال الذي يكاد يخلو من الممارسات من بنات الدولة ولكني اجتهدت كثيراً في إقناعهم بضرورة السعي في هذا المجال الذي اخترته بإرادتي،
ولطالما حلمت بأن أكون مدربة غوص، لا أنكر أن الهمس قد كثر بين بعض المقربين مني، فهم لم يستوعبوا حتى الآن ما أريد تحقيقه، أنا أسعى إلى التفرد والتميز في كل شيء وأعتبر هذه الرياضة جزءا مهماً في حياتي فهي عشقي الأول، مع مرور الأيام اقتنع الجميع بما أريد تحقيقه وانتهى الأمر.
وما هي ردة فعل والدتك بالذات؟
عارضت في البداية خوفاً عليّ، ولكنها تفهمت بعد ذلك أنني حريصة على نفسي وأرى سعادتي في هذا المجال، لعلي أكون بداية مشجعة لكل فتاة تريد أن تحترف هذه الرياضة وما يمنعها هو عدم وجود فتيات في هذا المجال.
انتسبت إلى مركز (البوم) للغوص، لماذا لم تتوجهي إلى أندية السيدات لتعلم هذه الرياضة؟
سبب توجهي إلى مركز البوم للغوص يعود إلى عدة أسباب أبرزها أن أندية السيدات لا توفر هذا النوع من الرياضة فهم يعتمدون رياضة السباحة فقط سواء في البحر أو حوض السباحة ولكني أردت أكون غواصة ماهرة
لذلك ذهبت إلى مركز البوم للغوص لتعلم أساسيات هذه الرياضة الشيقة والتدرب على أيدي أمهر المدربين، وأبرزهم المدرب محمد حلمي الذي ساعدني في بداياتي وأصر على الوقوف بجانبي لأنه أحس بشغفي الشديد لتعلم رياضة الغوص وقد أبديت مستوى جيداً في البداية مما شجعه على المضي في تدريبي وصقل مهارتي.
ألم تمارسي رياضات أخرى بجانب الغوص؟
حالياً متفرغة لرياضة الغوص وسبق ان لعبت كرة الطائرة ولكني لم أجد نفسي في هذا المجال لأسباب عديدة جعلتني أتوجه إلى الرياضة التي طالما أحببتها في سنوات طفولتي وأردت أن أنميها وأصقلها بالتدريب المستمر في المركز الذي أهلني للوصول إلى رتبة (ضفدع بشري) بعد أن كنت هاوية لهذه الرياضة.
هل راودك إحساس بأن هذا النوع من الرياضة لا يتناسب مع هوية المرأة الإماراتية؟
أنا أرى أن هذه الرياضة لا يمكن أن تدرج ضمن قائمة المحظورات، بل على العكس اعتبرها رياضة مناسبة تماماً للمرأة فهي تحمل الكثير من الفائدة لصحة المرأة مثل سائر الرياضات البحرية، كالسباحة التي تنمي القدرات وتصقل الجسم وتمده باللياقة العالية، كذلك الغوص بجانب هذه الفوائد تعلم المرء حب المغامرة والمثابرة وقوة التحمل والصبر
وهذه أمور يجب أن يتحلى بها كل إنسان، كذلك الزى الخاص بها الذي لا يخدش حياء المرأة بل أراه ملتزماً جداً وفي هذا الوقت لا توجد رياضة خاصة للمرأة وأخرى خاصة للرجل، المرأة الإماراتية أبدعت في رياضات عديدة لم تكن موجودة قبل سنوات مثل الفنون القتالية والفروسية والبولينغ
والرماية والألعاب الجماعية ومؤخراً كرة القدم التي تزداد شعبيتها بين السيدات في الإمارات يوماً بعد يوم من خلال اهتمام القيادات الرياضة في الدولة بتطوير هذا القطاع عن طريق إقامة البطولات التي تجمع السيدات من مختلف الأقطار العربية الشقيقة، نعيش عصر الانفتاح على العالم عبر ثورة الاتصال
مثل التلفزيون والإنتر نت، بحيث أصبح العالم قرية صغيرة مجرد كبسة زر نستطيع رؤية ما يحدث في العالم، التلفزيون يضعنا دائماً في قلب الأحداث الرياضة التي تقام على مدار العام مما أدى إلى إحداث ثورة رياضية لدى أوساط السيدات ولسنا بمعزل عما يدور في العالم وهذا الأمر جعل الرياضة النسائية ضرورية في كل المجتمعات مهما اختلف نوع الرياضة.
كونك أول مدربة غوص في الإمارات، ما هو برنامجك للنهوض بهذه الرياضة؟
هناك العديد من الفتيات الإماراتيات يمارسن رياضة الغوص على سبيل الهواية إما عن نفسي فلم أكتف بالهواية فقط بل سعيت وبكل جهد أن أكون مدربة غوص أساهم في كل النشاطات سواء كانت رياضية أو اجتماعية، يوجد العديد من السيدات اللاتي يرغبن بتعلم فنون الغوص
ولكنهن يرفضن لأن المدربين رجال، لذلك يشكل هذا الامر حاجزاً قوياً يمنع أي سيدة من الإقبال على هذه الرياضة ولكن وجود العنصر النسائي في التدريب على هذه الرياضة يضفي نوعاً من الراحة لدى المتدربة من الناحية النفسية، وأنا اسعى إلى تطبيق هذه الفكرة عملياً من خلال مشروع طموح.
هل لك أن تطلعينا على تفاصيل هذا المشروع؟
أخطط بأن يكون هناك مركز متخصص في تدريب السيدات على رياضة الغوص وفق الأنظمة والمعايير العالمية في جو نسائي خاص جداً، بحيث تكون المدربات في المركز سيدات لتشعر المتدربة بجو خاص لا يدخله الرجال مما يساعد في ازدياد شعبية الرياضة التي يعشقها الجميع ولكن الظروف لا تساعد البعض بمن فيهن الفتيات، ولكن هذا المشروع يتطلب الدعم والتشجيع لكي نقيمه والذي سيحقق بدوره نجاحاً كبيراً كالنجاح الذي حققته الأندية النسائية في الدولة.
نحن مجتمع لازال يتمسك بهويته وثقافته التي تحافظ على خصوصية وراحة المرأة والاختلاط يشكل هاجساً لدى السيدات عند التفكير بممارسة الرياضة ومن الغريب أن تؤثر هذه العوامل على الأجانب المقيمين على أرض الدولة فهم لم ينشأوا في بيئة محافظة تمنع الاختلاط ومع ذلك نرى أن النساء الأجنبيات يفضلن ارتياد أندية السيدات طلباً للخصوصية.
ألم تؤثر هذه الهواية على دراستك؟
كنت خلال سنوات الدراسة متوقفة عن التدريب، ولكن فور انتهائي منها انتظمت في التدريب لأن هذه الرياضة تتطلب تفرغاً تاماً وأنا الآن متفرغة لها فلم أرغب بإكمال دراستي لأنني فضلت تخصصاً لا يوجد في الكليات والجامعات فوجدت ذاتي في البحر من خلال ممارستي لهذه الرياضة.
حدثينا عن نشاطاتك القادمة؟
أنا الآن بصدد إقامة معرض لصور قمت بالتقاطها في قاع البحر لإحياء بحرية كالأسماك والطحالب والشعب المرجانية والتي تشكل لوحة فنية بحد ذاتها، لأنني أهوى التصوير لذلك أصبحت التقط أجمل اللقطات خلال فترة التدريب أثناء الغوص واحتفظ بالعديد منها،لهذا السبب أرغب في إقامة المعرض الفني ليرى الجمهور روعة رياضة الغوص التي تتيح لنا رؤية عالم البحار وما تحويه من كائنات حية غريبة لا يستطيع المرء رؤيتها والتعرف عليها إلا من خلال الغوص.
ألم تراودك فكرة الاحتراف عبر المشاركة في البطولات العالمية التي تقام في هذه الرياضة؟
نعم، راودتني هذه الفكرة كثيراً وهي ضمن مشاريعي المقبلة، وأرى أن المشاركة في هذه البطولات ستفتح لي آفاقا جديدة للتعرف على أبرز ممارسي هذه الرياضة والاحتكاك بهم لاكتساب الخبرة والمعرفة، فأنا لا أزال في بداية الطريق ولدي العديد من الخطوات والمشاريع المهمة
لذا سأحرص على رفع اسم دولة الإمارات في المحافل الدولية لكي يتعرف الغرب على النهضة الشاملة التي نعيشها في دولتنا الحبيبة بجهد حثيث من حكومتنا التي وفرت كل السبل للارتقاء بشباب الوطن من خلال إقامة الأندية الرياضية وفتح المجال أمام الجميع للاحتراف والتألق وإعطاء دفعة معنوية لرياضة الإمارات التي تشهد تطوراً لافتاً على المستوى العالمي.
كلمة أخيرة لمن توجهينها؟
أود أن أشكر كل من ساندني لأصل إلى هذا المستوى وفي مقدمتهم والدتي التي أعطتني الفرصة الحقيقية للرجوع إلى الهواية التي طالما أحببتها في سنوات طفولتي وأتوجه بالشكر لكل أفراد عائلتي والمدرب محمد حلمي الذي راهن على نجاحي منذ قدومي للمركز لأول مرة
حيث آمن بموهبتي وساعدني بجهده ووقته وأتوجه بالشكر الجزيل إلى صحيفة (البيان) التي تولي رياضة المرأة الاهتمام البالغ من خلال تخصيص صفحة أسبوعية تتناول نشاط المرأة في الدولة وهي خطوة لم تقدم عليها الصحف الأخرى وذلك بفضل سمعتها ومكانتها المرموقة عند القراء.
المصدر: البيان بتاريخ: 26 أغسطس 2006