الموضوع [ 7688]

أشواق الهاشمي: صناعة الأعضاء البديلة فن إنساني

ترميم الأعضاء البديلة عمل نادر بسمة فنية وطبية وإنسانية





يتمتع عملها النادر بسمة فنية وطبية وإنسانية في ذات الوقت، فهو يعيد الأمل للمرضى ممن يفقدون أطرافهم أو أجزاء من أجسادهم تحت أي ظرف، لذلك تؤدي أشواق حمود الهاشمي أول نحاتة طبية إماراتية، عملها بإتقان شديد لرسم الابتسامة على وجوه ظنت أنها لن تعرفها ثانية . إنها تنحت الأطراف الاصطناعية والعيون والأنوف والآذان والأصابع والوجوه بحرفية شديدة في مركزها الخاص، مؤكدة أن الحالات المعقدة تستفز كل قدراتها ومهاراتها في إطار بحثها الدائم عن التماثل والتطابق في ما تنحت وتصنع . وتحزن الهاشمي كثيراً لندرة هذا التخصص لعدم وجود تخصص أكاديمي أو جامعات ومعاهد تدرسه على مستوى الشرق الأوسط، اللهم إلا بعض الدورات التي تؤخذ هنا وهناك، وسط صعوبة كبيرة في دفع أصحاب المهنة للبوح بأسرارها على مستوى العالم .


هذا الحوار مع الهاشمي إطلالة على تخصصها النادر .


كيف كانت بداية عملك بمجال النحت الطبي؟


كانت البداية تعييني بقسم العلاج الطبيعي، في مستشفى راشد وكان يحتوي على غرفة صغيرة متواضعة يعمل بها اختصاصي ترميم الأعضاء الاصطناعية، دارل أتكنز، القادم من الهند، كان يطلبني في كثير من الأحيان لمساعدته في الحالات التي تتطلب وجود امرأة . وبحكم عملي في قسم العلاج الطبيعي كنت أرسم أعضاء جسد الإنسان مرفقة بإرشادات للتوعية، الأمر الذي لفت انتباه الاختصاصي، فعرض عليَّ العمل معه لما لاحظه من تمتعي بلمسة فنية في عملي، وبعد محاولات عديدة مع إدارة المستشفى تمت الموافقة على انتقالي لهذا القسم، ومكنتني مساعدته لبعض الحالات من اكتشاف هذا النوع من التخصص النادر الذي لم أتخيل قط أني سأمتهنه، وشدني إليه كثيراً الجانب الإنساني والفني الذي أحبه .


وما النحت الطبي ومراحل إجرائه؟


هو باختصار دمج ومزج متقن بين الفن والطب لمساعدة الأشخاص ممن فقدوا أعضاء بسبب تعرضهم للحوادث أو التشوهات الخلقية أو إصابتهم بأمراض تستدعي فقدان هذه الأعضاء . و يتم تحويل المراجعين من الطبيب المختص إلينا لتركيب عضو أولا، ثم نؤدي دورنا بتشخيص الحالة وتحديد اللازم لتغطية الإعاقة ووضع خطة عمل لكل حالة على حدة وتبدأ الخطوات بأخذ القياس المباشر من المريض، ثم تشكيل العضو المفقود من الشمع، وصنع القالب الذي ستصب مادة التصنيع فيه وبعدها تبدأ مرحلة التلميع والتشطيب ومطابقة الألوان حتي نصل إلى التقارب المطلوب . وبعدها نبدأ بتثقيف المريض ومده بالإرشادات الخاصة بطريقة اللبس والخلع والتنظيف والمحافظة والعناية .


ما مجالات النحت الطبي؟ ومن المستفيدون منه؟


مجالاته كثيرة، فهي تشمل جميع الأعضاء سواء كانت لغرض تغطية الإعاقة أو صناعة مجسمات طبية لتدريب الطلبة في الكليات والمعاهد الطبية، ويمكن للأشخاص العاملين في هذا المجال الخوض في الكثير من المجالات الأخرى التي تندرج ضمن الأمور الفنية البحتة مثل المعارض الفنية والمجالات الخاصة في صناعة الأفلام والسينما . وللأسف، فإن الحالات المستفيدة من المراجعين من فاقدي الأعضاء في تزايد لما نراه من عنف في المناطق والدول المجاورة الذي يتسبب في كثير من الإصابات التي تستدعي تركيب الأعضاء . وكما هو معروف، فإن معظم المحتاجين لهذه الأعضاء يحتاجون تغييرها سنوياً لذلك يوجد تزايد مستمر ودائم في أعداد المرضى من هذا النوع .


هل من صعوبات أو تحديات واجهتك أثناء سنوات دراستك وعملك؟


أصعب ما واجهته هو عدم وجود دراسة أكاديمية لهذا النوع من التخصص الذي فرض عليَّ الكثير من البحث عن الأفضل عند المتخصصين من الدول الأوروبية والجمعية الدولية لمتخصصي ترميم الأعضاء وتعلم الأفضل الذي يثري إمكاناتي في هذا المجال، والعمل على ابتكار وتطوير الطرق التي تدربت عليها .


هل من أشخاص أثروا في حياتك العملية؟


قد يتعجب البعض حينما أؤكد أن المراجعين أنفسهم ساعدوني كثيراً على تطوير مهنتي، فبحكم أنني لا أصل إلى الرضاء الكامل عما أصنعه دائماً، أقوم بمحاولات متعددة كي أتقن عملي وتوصيله إلى ما يشبه الطبيعة تماماً وأكسبني ذلك خبرة كبيرة وكان لتعاون وصبر وتشجيع المرضى أكبر الأثر الإيجابي في درجة إتقاني لعملي، وتنمية قدراتي فيه . وأمتن كثيراً لدارل اتكنز الذي علمني الأساسيات الصحيحة في المهنة بكل إخلاص، ومن الأشخاص الذين قدموا لي الدعم أيضاً لا أنسى عبدالباسط الجناحي، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة .


ماذا أكسبتك هذه المهنة بالرغم من أنها شاقة ودقيقة؟


أكسبتني الطمأنينة بأنني السبب في سعادة الغير والتخفيف من معاناتهم، وتعويض النواقص بأجسامهم لكي يشعروا بالرضا، وأعد نفسي محظوظة بحبهم ودعائهم لي، و بمجرد رؤية الابتسامة على وجوههم .


كيف أعطاك النحت الطبي أسراره؟


بالمحاولة الدائمة للتطوير، فنحن أكبر حظاً من الأوروبيين الذين يتكتمون على أسرار تقنياتهم، وأقوى من ناحية القدرات والإمكانات، لأننا نعيش في دولة تتميز بقادة وشيوخ كرام يسعون دائماً إلى التميز ويدعمون كل فئات المجتمع . والدليل هو حصولي على الدعم اللازم لتأسيس مركزي الخاص #187;أمنيتي#171; بدعم من مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة .


ما الخدمات التي يوفرها مركزك؟


المركز يعد من المراكز الأولى والمتميزة بالدولة لشموليته لجميع أنواع الأعضاء الاصطناعية تحت سقف واحد، وينتظر أن يقدم خدمة للمرة الأولى بالدولة وهي تصنيع العيون الزجاجية بأيدي خبراء من ألمانيا نتعاقد معهم حالياً، وقد قمت بتأسيسه بدعم من مركز محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة . والمركز تجسيد لأمنية تخصني وتخص جميع المراجعين من داخل الدولة وخارجها، ويخدم جميع فئات المجتمع بمختلف أوضاعهم وإمكاناتهم ويدعم السياحة الطبية التي تهتم بها الدولة بكونه واحداً من المراكز النادرة والقليلة في الخليج العربي والشرق الأوسط،، فضلاً عن أنه يتدرج في جودة الخامات التي يصنع منها العضو وأسعارها لتناسب جميع الشرائح المجتمعية، وتصنع الأجزاء التعويضية فيه بخامات لينة وليست قاسية كالسائدة . ويقدم المركز جميع أنواع الأعضاء مثل أجزاء الوجه والأنف والعين والأذن والأصابع واليد والقدم والثدي وسدادات الأنف والأذن والمجسمات الخاصة والمصنعة للكليات الطبية بحسب طلب الأستاذ الجامعي ومواصفاته الخاصة، وبنفس الخامات والملامس الطبيعية للأعضاء البشرية، ولأول مرة في الإمارات والخليج العربي يقدم المركز القطع الخاصة المستخدمة في صناعة الأفلام السينمائية أيضاً .


وكيف تتعاملين مع نفسية المرضى المحتاجين لتركيب عضو مفقود؟


بحكم الوقت الطويل الذي أقضيه مع المراجعين ويستدعيه تصنيع العضو، تبنى صلة عميقة وقوية بيني وبينهم تكلل بالثقة التي تسهل عليهم البوح بما يشعرونه تجاه وضعهم ما يساعدني في الدخول إلى خبايا كثيرة تكون غائبة في معظم الأحيان عن ذويهم، فنسعى بعد ذلك جاهدين لمساعدة المراجع نفسياً ليتخطى هذه الخبايا التي تقلق وتعكر صفو حياته، وفي حال تعذر علينا الأمر نستعين بالأخصائي النفسي للمساعدة بسرية تامة .


وهل تتطلب المهنة مواصفات معينة فيمن يعمل بها؟


نعم، يجب أن يكون فناناً وأن يتمتع بالإحساس الفني المرهف وملماً بأمور النحت والتلوين ومزج الخامات والألوان لكي تضاهي لون البشرة، كما يجب عليه تتويج هذه المهارات بالمعلومات الطبية الخاصة بالحالات .


ما طموحاتك وخططك؟


طموحاتي كبيرة وكثيرة وأتمنى أن يمن الله على بتحقيقها ومنها التوسع وفتح فروع للمركز تحمل اسم الإمارات في جميع الدول المجاورة التي تفتقر لهذا التخصص ليكون باستطاعتنا خدمة غير القادرين على القدوم إلى الإمارات . أتمنى توفير دراسة أكاديمية لهذا التخصص في الإمارات، لتكون أول دولة في العالم تقدم دراسة أكاديمية فيه .


ماذا عن الفيلم الوثائقي الذي حصل على جائزة الأوسكار هذا العام، وهو عن باكستانية صنعت عضواً ترميمياً لوجهها؟


إنها ذكية تلك المرأة الباكستانية التي تعرضت لحرق نصف وجهها بسبب انسكاب الأسيد عليه وصنعت بالتعاون مع مستشفى راشد عضواً تعويضياً للمنطقة المحروقة، وأعد فيلم وثائقي عنها فاز بجائزة الأوسكار هذا العام وجاء ذكر اسمي واسم مركز راشد فيه .


ما مشروعاتك حالياً؟


حالياً أعكف على مشروع لمد يد المساعدة للدول المجاورة المتضررة من آثار الحروب والنزاعات ويعاني الضحايا فيها من افتقادهم لأطرافهم أو اجزاء منها، وذلك بالتعاون مع الجهات الخيرية بالإمارات لكي نقدم لهم المساعدة قدر الإمكان لا سيما أن هذه الخدمة لا تقع تحت مظلة الضمان الصحي في تلك البلدان وتعتبر من الكماليات على الرغم من أهميتها القصوى في ترميم الحالة النفسية للمريض بعد فقد أحد أطرافه، وكانت حالة ذكية الباكستانية أولى هذه الحالات، وأسعى للاستمرار في هذا الاتجاه بقوة .



المصدر: الخليج  بتاريخ : 12/10/2012