إماراتيات.. يحرسن كنوز الحضارات ويُروّجن لدور «اللوفر - أبوظبي» في حوار الثقافات
التعريف بالحضارات الاخرىجُود المرر ومريم الظاهري وآمنة راشد الزعابي، ثلاث شابّات إماراتيات أردن أن يكنّ جزءاً من مشروع مُذهل، فاخترن العمل تحت «قبّة» متحف «اللوفر- أبوظبي»، كمتخصصات في مجال المتاحف،يحملن راية حراسة الكنوز التاريخية والتراثية لبلدهنّ والترويج لها محلياًوعالمياً، ويمثلن النموذج المشرّف للشباب الإماراتي المنفتح على مختلف الحضارات والثقافات. في لقاء «زهرة الخليج» معهنّ، نتعرف إلى طبيعة عملهن في المتحف،وتطلعاتهن كإماراتيات يعملن في هذا القطاع الثقافي. فماذا في جعبتهنّ؟ اتفاقيات ومشاريع عالميةقبل ثلاث سنوات،انضمّت جُود المرر إلى فريق عمل متحف «اللوفر- أبوظبي»، لتشغل منصب ضابط علاقات خارجية أول، مُهمّتها، حسب ما أوضحت لنا، التركيز على ترسيخ المتحف في المنطقة والترويج لدوره الثقافي والتعليمي على مستوى العالم، من خلال إبرام اتفاقيات تعاون وإنشاء علاقات مع متاحف ومؤسسات ثقافية محلية وإقليمية وعالمية. فماذا يعني كلهذا؟ سألناها فأجابت موضحة: «على سبيل المثال، وقع متحف «اللوفر- أبوظبي» أكثر منست اتفاقيات تعاون، من ضمنها اتفاقية تعاون مع المملكة العربية السعودية، وسلطنةعُمان، والمملكة الأردنية الهاشمية، فضلاً عن مؤسسات محلّية عديدة، وهي جميعها اتفاقيات تُسهم في دعم عملية نشر رسالة المتحف في مَـدّ جسور التعاون الثقافي،وثقافة العلم والحوار بين الحضارات والتسامُح والاعتدال وتَقبُّل الآخَر».
سفراء التاريختسترسل المرر في حديثها، كاشفةً عن أنّ عملها لا يقتصر على المشاركة في إعداد الاتفاقيات فقط، فهذه الشابة الإماراتية الحائزة على شهادة بكالوريوس علوم سياسية ودراسات فرنسية من (جامعةفرانكلين)، أنشأت، بحسب ما أخبرتنا، «برنامج سفراء متحف اللوفر- أبوظبي»، والذي يهدف إلى تشجيع الشباب الإماراتي على الإسهام في مجال العمل المتحفي، وتنمية شعورهم بالفخر والوعي بإنجازات دولتهم في مجال الثقافة، وبالتالي استقطابهم للعمل في المتحف. | ![]() |
نشر رسالة التسامُحوعن قصة ولُوجها عالم المتاحف، تحكي المرر أنها في عام 2014، كتبت بحثاً جامعياً عن «متحف اللوفر»، أتاحلها الاطّلاع على كمّ هائل من الإحصاءات والتقارير من مختلف المصادر عن المتاحف حول العالم، فأدركت مدى الأهمية التي تمثلها المتاحف في البحوث العلمية والحفاظ على التاريخ، ونقل المعارف من جيل إلى آخر، ومَدّ جسور الحوارات بين مختلف الحضارات. تُتاب عالمرر حديثها، مُشيرةً إلى أنها أرادت أن تكون جزءاً من هذه المنظومة الثقافيةالمهمّة في دولة الإمارات، التي باتت اليوم تحمل على عاتقها مسؤولية نشر قيمالتسامُح والانفتاح وقيادة جهود التنوير الثقافي، على حَدّ تعبيرها.
ريادة الإماراتيةتؤكد المرر أن دعم القيادة الرّشيدة للمرأة الإماراتية، وتقديم الفرص لها لإثبات جدارتها في مجال العمل المتْحَفي، مَهّد لها طريق النجاح، وتختتم جود المرر: «أتوقع أن تصبح الإماراتية من بين الرائدات في مجال المتاحف على مستوى العالم».
| ![]() |
انفتاح وأعمال متقنة
تتحدث مريم الظاهري بشغف واضح عن عملها كأخصائي أول في قسم العلاقات الدولية والحكومية التابع لمكتب مدير عام متحف «اللوفر- أبوظبي»، مشيرةً إلى أن مُهمّتها تقضي بتقديم متحف «اللوفر-أبوظبي» إلى الناس وتعريفهم برسالته وما يحويه من كنوز تاريخية وفنّية تراثية.
إماراتي الهوية
تتقن الظاهري الفرنسية إلى جانب اللغتين العربية والإنجليزية، الأمر الذي مَهّد لها، كما أخبرتنا، العمل في «متحف اللوفر» في فرنسا لمدة خمسة أشهر، حيث اكتسبت مهارات وخبرات عدة ساعدتها في فهم كيفيّة عمل متحف «اللوفر- أبوظبي» بشكل أكبر، كمامكّنتها من العثور على شركاء فرنسيين يتمتعون بالأهليّة للإسهام في التعريف بالمتحف على مستوى العالم، وتبْيان أن الإماراتيين يُتقنون عملهم جيداً، بحسب تعبيرها.
تشرح الظاهري، أن العمل في مجال المتاحف يُحتّم عليها تَقبُّل واحترام الآخر، فضلاً عن الانفتاح على مختلف الثقافات، إذ لا يُمكن لأي شخص أن يعمل ضمن فريق يضم أعضاء من مختلف الجنسيات، إذا لم يكن قادراً على التواصل والتفاعُل معهم بشكل إيجابي، بعيداً عن أي نوع من الحواجز.
دعوة لخوض التجربة
تُنوّه الظاهري بالدعم الكبير الذي تقدمه (هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة)، التي ينضوي تحت مظلّتهامتحف «اللوفر- أبوظبي»، للإماراتيات العاملات في المجال المتحفي، مُبَيّنة أن الهيئة لا تألو جُهداً في توفير الوسائل كافة لهنّ للحصول على التدريبات اللازمة،بهدف اكتساب الخبرات والمهارات، ممّا يُعزّز فرصهن كإماراتيات في تحقيق مزيد من الإنجازات على المستويات كافة من العمل المتحفي.
ومريم الظاهري هي أيضاً عالمة آثار، وسبَق لها أن شاركت في عمليات تنقيب عن الآثار في مدينة العين في أبوظبي، وزنجبار في شرق أفريقيا، بحسب ما أسَرّته لنا، واصفة تجربتها هذه بالمذهلة.
وتختتم الظاهري حديثها بدعوة الفتيات الإماراتيات إلى عدم الخوف من التخصص في علم الآثار، لأنه لايقتصر فقط على عمليات تنقيب في مناطق نائية ومنعزلة، لا بل يشمل العديد من المجالات، مثل تسجيل قطع الآثار وتنظيفها وترميمها، فضلاً عن إجراء بحث علمي للتأكد من تاريخها وأصالتها، وغيرها الكثير.
أربعة معارض عالميةواحتفالية في الذكرى السنوية الأولى
احتفالاً بالذكرى السنوية الأولى لافتتاح المتحف، يُنظّم «اللوفر- أبوظبي» أسبوعاً من الاحتفالات مابين 8 و11 نوفمبر المقبل، يشمل ندوة افتتاحية بعنوان «في رحاب المتحف» بالتعاون مع مدرسة اللوفر. ستجمع الندوة كبار الشخصيات في عالم الفن والمتاحف، لمناقشة مسألةتنظيم المتاحف من خلال خطابات وجلسات حواريّة. كما سيُقدّم المتحف نسخة خاصة من «إيقاعات على السطح» التي تضم فنانين من حول العالم، يقدمون عروضاً شعرية فنيّة مستوحاة من القطع المعروضة في المتحف. وقد أعلن «اللوفر- أبوظبي» برنامجه الكامل لموسم 2018 -2019، بعنوان «تبادُل فتفاعُل»، والذي يضم أربعة معارض عالمية، هي: «من وحي اليابان: رواد الفن الحديث» (6 سبتمبر- 24 نوفمبر 2018). و«طرق التجارة في الجزيرةالعربية» (8 نوفمبر 2018 - 16 فبراير 2019)، وهو معرض عالمي يقتفي أثر التراث الثقافي والأثري للمملكة العربية السعودية بشكل خاص، والجزيرة العربية بشكل عام،والذي يُنظَّم منذ أكثر من 10 سنوات، وهي المرّة الأولى التي يُقام فيها في الإمارات. و«رامبرانت والعصر الذهبي الهولندي: مجموعة لايدن ومتحف اللوفر» (14 فبراير-14 مايو 2019)، و«العالم بعدساتهم» (25 إبريل - 30 يوليو 2019). ويستقبل متحف الأطفال في «اللوفر - أبوظبي» معرضه الثاني، والذي يُصوّر الحيوانات عبر التاريخ ما بين الحقيقة والخيال. | ![]() |
أبحاث ودراسات
تتولّى آمنة راشد الزعابي وظيفة أمين متحف مساعد في قسم الآثار في متحف «اللوفر- أبوظبي»، منذ ما يُقارب العام، حسْب ما حكت لنا خلال لقائنا بها، وتُضيف مُبَيّنةً: «وظيفتي تشمل العديدمن الواجبات والمهمات، منها الاهتمام بالقطع الفنية أو التحف المعروضة داخل المتحف، ودراستها ونشر بحوث علمية عنها توثّق العلاقة بيننا وبين المتاحف الوطنية،وتلك الموجودة في المنطقة المحيطة بنا»، وتتابع الزعابي بنبرة كلها ثقة: «يهمّنا أن نُبيّن تاريخنا الإنساني الثري، لهذا نسعى إلى تسليط الضوء على الأشياء المشتركة بين الثقافات والحضارات التي عاشت على الأرض». وتتابع الزعابي شرح طبيعة عملها في المتحف، مشيرة إلى أن التعاون بين مختلف أقسام المتحف أمرٌ ضروري لتحقيق نتيجة فعالة. وتُشبّه الزعابي وظيفتها بالشرطي أو المحقق الذي يبحث عن الأدلة لبيان الحقيقة، وتأكيد أن القطع الأثرية أصليّة وليست مُزوّرة، وما إذا كانت تتناسب مع رسالة المتحف. وفي هذا المجال تشرح: «مثلاً عندما نكون في مرحلة اقتناءالقطع، نبدأ عادة بالبحث عن القطعة التي تعكس صورة أبوظبي أو القصة التي نريد أن نرويها، وهذا يتطلب إجراء دراسات وأبحاث لتقييم تلك القطعة التي يمكن أن نقتنيها ونضعها في المتحف».

نقص في الأبحاث
درست الزعابي تاريخ الفن وعلم الآثار في (جامعة السوربون) في أبوظبي، من باب سعيها إلى أن تكون مُلمّةبالتاريخ القديم، وتحديداً تاريخ شبه الجزيرة العربية، الذي تنقصه الدراسات والأبحاث والمتخصصين في هذا المجال، حسب ما أوضحت.
عن الصعوبات التي واجهتها كونها لا تزال في بداية مشوارها في العمل المتحفي، تقول الزعابي: «أعتقد أني محظوظة أكثر من الأشخاص الذين سبقوني في دراسة علم الآثار، لأني تخرجت في وقتٍ افتُتِح فيه «اللوفر - أبوظبي»، وهذه بداية مُبشّرة لي. كما أن المتاحف الوطنية تبحث عن متخصصين في هذا المجال من أبناء الوطن، فلا أحد غيرهم يعرف كيف يُروّج لتاريخ بلده وتراثه».
تاريخ قديم
وتُثير الزعابي بحديثها مسألة في غاية الأهمية بالنسبة إليها، تتعلق بالتاريخ الإماراتي، إذ تقول:«أستغرب كيف أن أغلب الناس عندما يتكلمون عن تاريخ الإمارات، يعودون إلى بدايةالسبعينات عند قيام الاتحاد، أو إلى الفترة التي سبقتها قبل اكتشاف النفط، علماً بأن دولة الإمارات غنيّة بالتاريخ القديم، بحسب ما اكتشفناه خلال التنقيبات الأثرية التي تمّت في السنوات الماضية، ونحن دورنا كأمناء متحف، أن نوصل هذه المعلومة إلى الناس أجْمَع».
لم تنسَ الزعابي في نهاية حديثها توجيه دعوة للشابات الإماراتيات لدخول عالم المتاحف، كاشفةً عن أن المجال مفتوح لهنّ اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن البلاد في حاجة إليهن، وهنّ قادرات على تحقيق الإنجازات الكبيرة في هذا القطاع الثقافي الحيوي، في نقل رسالةالتسامُح والانفتاح إلى الآخرين.