الموضوع [ 4511]

آمنة الهاجري: بناتي حققن حلم طفولتي

انجازات المرأة الإمارتية في مختلف المجالات .




الخليج   9/1/2015

في الستينات لم يكن مألوفاً مشهد "المرأة الإماراتية المعلمة"، لكن استطاعت آمنة الهاجري أن تلتحق بمهنة التدريس بتعيين من الحكومة الكويتية، لتنال لقب أول معلمة إماراتية في التعليم النظامي "مكرر"، وتنال شرف تكريمها من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، من ضمن أوائل الإمارات . التحقت الهاجري بالتعليم عام 1964 في مدرسة رابعة العدوية في الوقت الذي لم تصل الكهرباء بعد إلى المدارس، واعتمدت على جهدها الذاتي لتتمكن من التدريس والتحضير . حلمت منذ طفولتها أن تنال لقب طبيبة، فزرعت حلمها في بناتها وحصدت ثمار زرعها اليوم . "الخليج" التقت الهاجري وكان هذا الحوار:


على منصة التكريم توالت مشاهد من تحدوا الظروف والصعاب، ماذا يعني لك تكريمك من ضمن أوائل الإمارات؟

 لفتة رائعة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتكريم الأوائل، خصوصاً أن هذا التكريم كان في أجمل أيام الوطن، في اليوم الوطني، في غمرة أفراح وطن التميز، لفتة حضارية سامية أسعدتني كثيراً، واعتبرتها جائزة عظيمة .


أول معلمة إماراتية في التعليم النظامي "مكرر"، في أي عام بدأت رحلتك المهنية؟ 

  عينت مدرسة بتاريخ 15-9-،1964 بعد أن تخرجنا في الثانوية العامة مباشرة، لأن والدتي لم تسمح لي بالسفر لإكمال تعليمي، وهذا جعلني أبدأ رحلتي المهنية في التدريس في مدرسة رابعة العدوية وتحديدا المراحل الدنيا، وكنت معلمة فصل، توليت تدريس طالبات الصف الثاني الابتدائي، وكانت معنا معلمات من الدول العربية .


ما شعورك عندما تسلمت أول راتب؟

 سعيدة جداً، لم نكن معتادين الحصول على النقود كثيراً، تسلّمت 890 درهماً، وكنت أفكر لأيام متتالية ماذا سأفعل بتلك النقود، وكيف سأصرفها؟ وأذكر أني تسلمت الراتب من مندوب مكتب الكويت، بمجرد تسلم المبلغ كنت أشعر أني ملكت شيئاً عظيماً وكبيراً جداً، واعتبرته دخلاً إضافياً للبيت لأني كنت أربي إخوتي . 


التدريس بحاجة إلى مهارة كبيرة، وأنتِ عملت مباشرة بعد التخرج، كيف توليت المهمة؟

  بعد التخرج كانت لدي خلفية بسيطة في التدريس، لأني كنت أتولى تدريس إخوتي وأبناء الجيران، ولكن مهنياً لم نتعلم كيفية التدريس والتحضير، كنت أستعين بالمعلمات العربيات لأتعلم منهن، وأستعير دفتر التحضير لأتعلم الكيفية، وفي أول سنة عمل وجدت صعوبة كبيرة في التدريس، خصوصاً أن الطالبات مستواهن ضعيف جداً، وكل ما قدمته خلال العام كان اجتهاداً شخصياً مني لتعليم الطالبات الحروف والكتابة والقراءة .


ما الطريقة التي اعتمدتها في التدريس؟

  كنت أحمل في يدي طباشير بكل الألوان، وأكتب الجملة على السبورة وكل حرف بلون لترسخ الحروف في الأذهان، وبدأت الطالبات بالتعلم والتعلق بالمدرسة بشكل أكبر، وأصبحت كالأم لطالباتي، وينادينني "أبلة آمنة"، وأسعى بكل الطرق لأرفع من مستواهن التعليمي لدرجة أنني كنت أكتب الحروف على الرمل في المنطقة الخارجية من المدرسة، وطالباتي لم يكن يحصلن على درجات كاملة، والمفتش الذي يحضر من الكويت مرة كل سنة، ليقيم مستواهن، وزع عليهن أوراقاً للاختبار وحصلن على علامات جيدة وتفاجأ من مستوى الطالبات وتطور أدائهن .


هل تذكرين أول مدرسة عملت فيها؟

المدرسة كانت آنذاك عبارة عن منزل قبيلة بن كامل، والبيت عبارة عن مجموعة حجرات وصالات، ولم يكن بها مراوح وكهرباء، ولكن تحتوي على الكثير من "الدرايش" ومفتوحة، والجرس عبارة عن قطعة حديد متحركة، والصف كان يستوعب 25 طالبة، وجميع المعلمات من الدول العربية من سوريا ومصر وفلسطين، والكتب جميعها كانت من الكويت، وأيضاً الأدوات والقرطاسية كالمسّاحة والدفاتر كانت من الحكومة الكويتية، وبعد أن أكملت السنتين في التدريس، بدأت المدرسة توزع السندويشات على الطالبات .


هل كان لك دور في تعليم كبار السن الذين لم يجدوا الفرصة للتعلم؟

  عام 1971 انتقلت إلى مدرسة الشارقة، وطلبنا أن نبدأ بتدريس كبار السن، وحصلنا على الموافقة والترحيب من الحكومة، وبدأت التدريس في الفترة المسائية تطوعاً لتعليم الكبار، فدرست والدتي وجاراتنا والقريبات، وبعدها أرادت الحكومة أن تكافئنا على جهودنا في التعليم التطوعي في الفترة المسائية .


كيف كان شعورك وأنت تدرسين والدتك؟

أمي لم تنل فرصة للتعلم، وكان لديها الرغبة في ذلك، وكثير من الأقارب كانوا ينصحونها بألاّ تسمح لي بالتعليم، ولكن والدتي أصرت على أن أدرس وأكون معلمة، وتمكنت من التدريس لها وكانت متفوقة في الرياضيات .


هل أكملت تعليمك الجامعي بعد التدريس؟

انتسبت في جامعة بيروت لأكمل تعليمي، واخترت دراسة اللغة العربية وكان ذلك في مركز المعهد الثقافي في الإمارات، فقد كان الوسيط بيننا وبين جامعة بيروت، فقد كنا نحصل على المحاضرات منهم، وتزوجت في سنة ،1971 وزوجي كان يعمل في السفارة الإماراتية في لبنان، واستقررت 3 سنوات في لبنان للدراسة، وبسبب الحروب الأهلية آنذاك رجعت إلى الإمارات بعد إكمال تعليمي، وكان يقتصر بقائي وأبنائي في لبنان على فترات معينة نقضيها مع زوجي بسبب الأوضاع غير المستقرة .


هل غيرت مسارك بعد حصولك على الشهادة الجامعية؟

  غيرت مساري المهني بعد أن عدت من بيروت، وبدأت العمل في الخدمة الاجتماعية في التربية والتعليم إلى عام ،1981 ونويت إكمال دراستي لأحصل على درجة الماجستير في مصر، ولم أكمل لأن الوزارة طلبت مني أن أعود وأعمل في الخدمة الاجتماعية، وبعد سنوات التحقت بقسم البحوث والمعلومات في التربية والتعليم، وفي عام 1987 تقاعدت بعد أن أكملت 21 سنة عمل في مجالات مختلفة، وتفرغت لمنزلي وأبنائي .


ماذا يعلق في ذاكرتك من الذكريات القديمة؟


أذكر أني لم أستطع تحقيق حلم الطفولة، كنت أميل للقسم العلمي أكثر من الأدبي، وكنت متفوقة في الرياضيات والهندسة، وكنا آنذاك 4 فتيات في الصف الأول الثانوي، وجميعهن يرغبن في الالتحاق بالقسم الأدبي، ما عداي، وطلبوا مني أن أكمل دراسة القسم العلمي في الكويت، ولكن والدتي رفضت، وحزنت كثيراً، ولكن رضيت في النهاية، ودرست الأدبي مع زميلاتي، وكنا نمتحن في الإمارات وتصحح الأوراق في الكويت، ولكن في الثانوية العامة أدينا الاختبارات النهائية في الكويت، ووافقت والدتي لأنه كان قراراً شاملاً لجميع الطالبات ورافقتنا المدرسة فقط، وبقينا 20 يوماً في الكويت، ولم تكن هناك أي وسيلة للتواصل مع الأهل في الإمارات، وفرحنا كثيرا بعد الانتهاء من الاختبارات ورؤية الأهل ونحن نحمل الشهادة .

كيف كانت الحياة سابقاً في الستينات؟ 

حياتنا كانت بدائية جداً، لم يكن لدينا كهرباء، التي وصلت إلى منزلنا بعد أن تعينت بسنتين، وكنت أقرأ وأحضر معتمدة على الفنر، وكنت دائماً متفوقة في جميع مراحلي الدراسية، أذكر أننا كنا نمشي من البيت إلى المدرسة لمدة 10 دقائق برفقة بنات الفريج، منزلنا كبير كان يضم العائلة الكبيرة، ولم نكن نشعر بالوحدة، ولكن الحياة كانت صعبة وبها مشقة نوعاً ما، خصوصاً أنني يتيمة . والدتي كانت تجتهد وتحاول أن تشجعنا على الدراسة، وتحملت المسؤولية منذ الصغر كوني أكبر أخوتي .


ماذا عن أبنائك؟

 لدي 6 أبناء، كنت شديدة مع أبنائي، لا أجعلهم يضيعون أوقاتهم بالأمور غير المفيدة، ولم أسمح لهم بالخروج كثيراً، بسبب خوفي عليهم، وكنت أحلم منذ طفولتي أن أكون دكتورة، ولم يراودني حلم التدريس إطلاقا، وبناتي الثلاث قلن لي "نحن سنحقق حلم طفولتك"، وأصبح لدي 3 طبيبات، زرعت حلمي فيهن وأحصد ثماره اليوم .